[size=18]
[b][size=12]
[b]انفردت المواقف في حياة نبي الله يوسف عليه اللام من دون غيرها من مواقف الأنبياء بسورة كاملة في القرآن، وهي مواقف مثيرة للعبر والمواعظ والأشجان بما حوت من حوادث رهيبة ومواقف عجيبة تبعث في كل من يتأمل صروفها بالغ التأثر والاعتبار من تصاريف الأقدار.
بدأت المواقف في حياة يوسف عليه السلام بحلم عجيب رآه في صغره، وهو أنه رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين، وشاءت الأقدار أن يتحقق تفسير هذا الحلم في مقتبل عمره.
وإذا كانت القصص القرآنية تهدف في مراميها إلى تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وتضرب الأمثال له وللناس في الصبر والجلد وقوة الاحتمال على ما يلقونه من مصاعب وشدائد، فقد كانت قصة يوسف عليه السلام خير ما يسري عن قلب نبينا ما كان يحزنه من مواقف أعدائه من قريش وإمعانهم في اضطهادهم له واستهزائهم به وايقاع الأذى به وبأتباعه كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
ويوسف عليه السلام هو ابن نبي الله يعقوب وكان له شقيق واحد هو بنيامين من أمه راحيل. أما بقية إخوة يوسف فكانوا من امهات أخريات، وكان يوسف أحب أبناء يعقوب إليه. شعر الإخوة بمكانة يوسف وشقيقه بنيامين في قلب أبيهم فحملهم ذلك على كراهة يوسف.
وذات ليلة رأى يوسف في منامه أحد عشر كوكباً والشمس والقمر تسجد له فأخبر أباه بحلمه فنصحه ألا يقص رؤياه على أحد من إخوته لأن ذلك سيثير أحقادهم عليه وحسدهم له.
حيلة
ما كان إخوة يوسف ليهدأ بالهم نحوه لما يرون من شدة اهتمام أبيهم بأمره فسول لهم الشيطان أن يأتمروا به ويتفقوا على خطة يتخلصون بها منه. ورأوا أن خير وسيلة لتنفيذ خطتهم في التخلص منه أن يحتالوا على أبيهم ليسمح لهم بأخذ يوسف معهم يرتع ويلعب وينعم بجمال الطبيعة وصفاتها بدلا من بقائه في البيت حبيساً بين جدرانه.
توجس يعقوب شراً من طلبهم، وقال لهم إني أخاف أن تذهبوا به وتغفلوا عنه فيأكله الذئب، فقالوا له كيف يحدث ذلك ونحن عشرة أبناء أشداء، وانهم يقظون ومحافظون عليه من أي مكروه.
فوافق يعقوب بعد طول إلحاحهم على تلبية رغبتهم وأخذوا يوسف معهم وقد بيتوا الغدر به، وساروا إلى مكان فيه جب وألقوه فيه على أمل أن يلتقطه بعض السيارة، وعادوا إلى أبيهم يبكون ويقولون إن الذئب افترس يوسف وأكله وهم غافلون عنه، وأتوا على قميصه بدم كاذب.
فقال لهم يعقوب عليه السلام: “بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل”.
وبعد ذلك جاءت إحدى القوافل المتجهة نحو مصر إلى البئر وأدلت بدلوها فتعلق به يوسف فلما أخرجوه وجدوه علاماً فأسروه في متاعهم بضاعة يعرضونها في سوق الرقيق حيث باعوه بثمن بخس بدراهم معدودة لأنهم كانوا زاهدين فيه، وباعوه لأحد عظماء مصر الذي قال لزوجته: “أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً”. وأقام يوسف في بيت هذا الأمير وهو ينمو ويترعرع ويزداد فتوة وبهاء وجمالا. وكانت عينا الزوجة تلاحقان شبابه النضر وقلبها يتعلق بجماله الباهر شيئاً فشيئاً حتى شغفها حباً.
فكرت أمرأة العزيز واسمها زليخة أنها تستطيع أن تخضع يوسف لنزواتها وشهواتها، وصارت تغريه بالتطلع إليها وهو لا يفكر في أمرها ولا فيما تبديه له من محاسنها. وذات يوم غلقت عليه الأبواب وقالت له: هيت لك، فقال لها: معاذ الله أن أعصي ربي وأن أخون زوجك، ولما شددت عليه الحصار وهم بها وهمت به، رأى برهان ربه، ففر منها نحو الباب هارباً.
وفي تلك اللحظة ظهر زوجها مصادفة أمامها وهما في هذا الوضع المريب، فقالت له دفاعاً عن نفسها واتهاماً ليوسف: إنه أراد بها سوءا، ولا جزاء له عن عمله هذا إلا السجن والعقاب الشديد.
ولكن عناية الله أدركت يوسف من حيث لا يدري إذ قال الذين حكّمهم الزوج في تحقيق هذه القضية من خاصته: “إن كان قميصه قدٌ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قُدّ من دُبُر فكذبت وهو من الصادقين”. فلما رأى العزيز قميص يوسف مشقوقاً من الخلف ثبتت له براءته.
وعندما كثر اللغط في حديث زليخة بين الناس رأى العزيز قطعاً لألسنتهم وصوناً لكرامته أن يدخل يوسف السجن ليبقى فيه بعيداً عن الأنظار والأفكار. وقضى يوسف أيامه مع المساجين وهو يعبد الله على ملة آبائه، ويدعو رفاقه من المسجونين إلى عبادة الله وحده.
تأويل الأحلام
كان يوسف عليه السلام على علم بتأويل الأحلام. جاءه اثنان من المساجين وقال له احدهما: لقد رأيت في منامي أني أعصر خمراً، وقال له الآخر: لقد رأيت أني أحمل خبزاً فوق رأسي تأكل الطير منه. فقال للأول إنه سوف يعود إلى عمله ساقياً للعزيز كما كان. وقال للآخر إنه سوف يصلب وتأكل الطير من رأسه. وقال يوسف للناجي منهما اذكرني عند سيدك بعرض مظلمتي وعرفه بما شاهدت من أحوالي وعلمت من حقيقة أمري. ولكن الله أنساه ذلك وظل يوسف في السجن بضع سنين أخرى صابراً محتسباً.
وشاءت الأقدار أن يرى العزيز في منامه أن سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخرى يابسات فأثاره هذا الحلم العجيب، وطلب إلى العلماء والحكماء أن يفسروه له فعجزوا، وعندئذ تذكر الساقي أن يوسف يستطيع أن يفسره. فذهب إليه وأخبره الخبر فقال له يوسف معنى هذه الرؤية أنكم تزرعون الأرض قمحاً وشعيراً سبع سنين متواليات فما تحصدونه من الغلال يحفظ في سنابله إلا قليلا مما يلزم لطعامكم، ثم يأتي بعد ذلك سبع سنين مجدبة شديدة القحط فتأكلون خلالها ما ادخرتم إلا قليلا مما تحفظونه ليكون بذورا لما يزرع في المستقبل.
بلغ مسامع عزيز مصر ما قاله يوسف عن رؤياه فاستدعاه، ولكن يوسف امتنع عن الذهاب إليه حتى يحقق في قضيته وتظهر له براءته، فاستجاب لطلبه وحقق مع النسوة ومع امرأته. وعندئذ قالت زوجته معترفة بجرمها، “الآن حصحص الحق، أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين”.
عندئذ عظمت مكانة يوسف في نفس العزيز وقال له: “إنك اليوم لدينا أمين” فقال له يوسف: “اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم” فرحب العزيز برغبته واستوزره وعهد إليه بتصريف الأمور، وأطلق يده معه في الحكم، فكان هذا من الله تعالى خير جزاء ليوسف على ما صبر عليه من غدر إخوته به وكيد امرأة العزيز له وإلقاء العزيز له في السجن ظلماً وعدواناً
[/b]
جريئــــــــــه بس بريئــــــــــــه